ورد الفضل العظيم في العبادة في ليلة القدر ، فقد ذكر ربنا تبارك وتعالى أنها خير من ألف شهر ، وأخبر
النبي صلى الله عليه وسلم أن من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه .
قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} القدر/1 – 5 . وعن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال : ""مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ
لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ." رواه البخاري ومسلم إيماناً : بفضلها وبمشروعية العمل فيها .
واحتساباً : إخلاصاً للنية لله تعالى .
وقد اختلف العلماء في تحديد ليلة القدر على أقوال كثيرة ، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر من أربعين
قولاً كما في " فتح الباري " ، وأقرب الأقوال للصواب أنها في وتر العشر الأخير من رمضان . فعن
عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "" تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ
الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ". رواه البخاري ومسلم
والحديث : بوَّب عليه البخاري بقوله : " باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر " .
والحكمة من إخفائها هي تنشيط المسلم لبذل الجهد في العبادة والدعاء والذكر في العشر الأخير كلها ،
وهي الحكمة ذاتها في عدم تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة ، وعدم تحديد الأسماء التسعة والتسعين لله
تعالى والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : "" مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ " رواه البخاري
ومسلم
أما تخصيص ليلة من رمضان بأنها ليلة القدر : فهذا يحتاج إلى دليل يعينها دون غيرها ، ولكن أوتار
العشر الأواخر أحرى من غيرها والليلة السابعة والعشرون هي أحرى الليالي بليلة القدر ؛ لما جاء في
ذلك من الأحاديث الدالة على ما ذكرنا . لذا لا ينبغي للمسلم أن يتعاهد ليلة بعينها على أنها ليلة القدر ،
لما في ذلك من الجزم بما لا يمكن الجزم به ؛ ولما في ذلك من تفويت الخير على نفسه ، فقد تكون ليلة
الحادي العشرين ، أو الثالث والعشرين ، وقد تكون ليلة التاسع والعشرين ، فإذا قام ليلة السابع
والعشرين وحدها فيكون قد ضاع عليه خير كثير ، ولم يصب تلك الليلة المباركة . فعلى المسلم أن يبذل
جهده في الطاعة والعبادة في رمضان كله ، وفي العشر الأواخر أكثر ، وهذا هو هدي النبي صلى الله
عليه وسلم . عن عائشة رضي الله عنها قالت : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ
مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ .
هذا والله آعلم
ودي